ظهرت في الآونة الأخيرة مقالات منشورة تتناول الضغوط التي تعانيها بعض الوكالات العقارية، نتيجة للتصحيح الذي يشهده السوق العقاري في دبي، وقد وصل الحال ببعض شركات الوساطة العقارية إلى تسريح أعداد كبيرة من العاملين لديها أو إغلاق أبوابها بالكامل.
رأى البعض أن القدرة على البقاء كانت مجرد نزهة قصيرة في أعقاب الأزمة المالية العالمية، وبالنظر إلى عدد الشركات التي تصارع من أجل البقاء نجد السؤال التالي يطرح نفسه بنفسه: ما محددات النجاح في السوق؟
تندرج الإجابات عن هذا السؤال ضمن ما يسمى السهل الممتنع، وتعد هذه المحددات صعبة المنال بالنسبة للكثير من الشركات؛ أما الشركات التي تتمكن من فهم المحددات ورصدها وتطويرها وممارستها فإنها تحظى بفرصة كبيرة للتمتع بنجاح غير محدود.
لاشك في أن هذه العبارة طرقت أسماعكم كثيراً: الشغف مكون أساسي من مكونات النجاح، لا يمكنك تحقيق النجاح في هذا الميدان إن لم تكن شغوفاً بعملك، يجب أن تعمل أي شركة عقارية على استقطاب مجموعة من الموظفين الشغوفين بهذا المجال وتطويرهم وتحفيزهم والإبقاء عليهم، وأي عميل ذي نظرة ثاقبة يستطيع معرفة ذلك على الفور، فهذا الميدان يحتاج إلى مهارات التعامل مع الناس، ولا يمكن استمرارية العمل من دون وجود فريق من المهنيين ممن يتمتعون بالشغف تجاه عملهم.
الخبرة مهمة للغاية، ويتميز الحقل العقاري بارتفاع متطلبات رأس المال ووجود نطاق واسع من المخاطر ومقدار كبير من الانخراط العاطفي، لا يمكن أن يكون للفشل أي سبيل، لقد حالفني الحظ بكوني عضواً في فريق تنفيذي تتجاوز خبرته 20 عاماً في القطاع العقاري بدبي، وكما نعلم جميعاً فقد شهد القطاع تطوراً سريعاً وهو لايزال يعد من أكثر الساحات العقارية نشاطاً في العالم، ولقد علمتنا الأزمة المالية العالمية أن القطاع العقاري لا يشرع أبوابه لمن لا يدركون ما يفعلونه، وأن اكتساب خبرة عميقة في هذا المجال شيء لا يقدر بثمن.
تعد المرونة وتطوير القدرة على التكيف من المتطلبات المسبقة للنجاح، لاسيما في سوق يتغير بسرعة هائلة، انطوت الأزمة المالية العالمية على مجموعة من الظروف سريعة التغير، والتي حملت تحديات غير مسبوقة تطلبت حلولاً فورية ومبتكرة لمعالجتها، كانت الأزمة مرحلة صعبة لكنها شكلت فرصة مميزة للتعلم.
كان الأكثر مرونة وقدرة على التكيف هم الأكثر قدرة على الاستفادة من الفرص التي ظهرت في النهاية مع بداية الانتعاش.
قد لا تكون هذه المهمة سهلة، وهي تتطلب تقييماً صادقاً للغاية حول القدرات الفردية إضافة إلى قدرة الشركة على الاستمرار في تقديم الخدمات التي يطلبها العملاء ضمن سياق بيئي جديد تماماً منبثق عن حالة من الاضطراب في الاقتصاد.
وثقافة الابتكار هي ما يميز «المزدهرين» عن «الناجين»، لاشك في أن الممارسات المجربة والتي ثبتت نجاعتها في الماضي، كانت تتطلب عملية تصحيح للتعامل مع الحقائق الجديدة وإيجاد مكانة مناسبة في سوق يتسم بالتنافسية العالية، وهذا هو ما يميز الشركات التي ازدهرت خلال فترة ما بعد الكساد العالمي عن تلك التي اكتفت بمجرد البقاء في حالة واهنة نتيجة للتصحيح الراهن في السوق، من أهم الدروس المستفادة من الكساد العالمي أن الابتكار المرتبط بالظروف سوف ينتصر دائماً، بغض النظر عن الظروف، وسواء كان السوق نشطاً أو كاسداً فإن الابتكار هو الذي يضمن الميزة التنافسية دائماً.
إذا نظرت إلى القطاع العقاري وقارنته بما كان عليه في 2008 فستجد اختلافاً كبيراً. شهد الإطار القانوني للقطاع قفزات كبيرة إلى الأمام، وكذلك البنية التحتية التنظيمية والحوكمة الشاملة، وهذا يتناسب مع حركة السوق الدائبة باتجاه النضج الكامل والنمو المستدام الذي يسعى إليه جميع المعنيين بهذا القطاع، وبصفتنا من المهنيين المهتمين بهذا القطاع، علينا أن نستمر في دعم ومساندة أي تغيير يمكن أن يؤدي إلى تحسين أوضاع القطاع العقاري.
وينبغي أن يكون تحسين أوضاع القطاع في صميم غاياتنا، ومن بين المهنيين الذين عايشوا تجربة الأزمة المالية العالمية، سوف تجد من يتذكر أن الهدف الأساسي كان بسيطاً للغاية، ويتمثل في البقاء على قيد الحياة في بيئة لم يشهدها أحد في هذا القطاع من قبل، ومن أجل البقاء كنا بحاجة إلى التكيف والابتكار والتطور كأفراد وشركات، أمّا أولئك الذين امتنعوا عن ذلك فقد تساقطوا على جانبي الطريق، وفي النهاية، فإن الكساد يؤدي بالضرورة إلى بقاء الأصلح، بحيث يتمكن الأصلح من تحقيق الازدهار.
*المدير الإداري لشركة هاربور العقارية، ومستشار ومحاضر في معهد دبي العقاري التابع ل «دائرة الأراضي والأملاك».