خدمات الصيانة بين الحفاظ على جودة المباني

على الرغم من تراجع معدلات التضخم في سوق البناء والتطوير وتكلفة أعمال المقاولات ومواد البناء بنسب كبيرة، إلا أن أسعار إدارة المرافق وخدمات الصيانة لا تزال تراوح مكانها عند نفس معدلاتها السابقة، لتستنزف بذلك جزءا كبيرا تتراوح نسبته بين 25 و 30% من الهامش الربحي الذي يجنيه ملاك العقارات والمشترين من هذا الوسط الاستثماري خاصة في ظل تراجع أسعارالإيجارات بشكل ملحوظ . ويشكل عدم اكتمال التشريع القانوني المنظم ل “جمعيات الملاك” (strata) في السوق المحلي في دبي عائقا كبيرا في وجه تطور العمل في قطاعات إدارة المرافق وصيانتها من جهة واختلاط المعايير التي تحدد آليات التسعير وحساب التكلفة بين المشاريع التي وصلت إلى مستويات مبالغ بها، حيث ينبع أساس المشكلة من عدم توافر عناصر القانون جميعها .

على الرغم من تأثير رسوم الخدمات السنوية على القيمة المضافة على رأس المال وعوائد الإيجار السنوية، فمن المدهش ان بعض أصحاب المصالح الأساسيين في سوق العقارات يتجنبون التعامل مع هذا الموضوع الحرج وحل الغموض والإحباط المحيط به . على سبيل المثال، فإن معظم شركات مطوري المشاريع التي لا تزال قيد الإنشاء لن توفر تفاصيل كافية عن رسوم الخدمات المتوقعة للقدم المربع الواحد حتى اكتمال المشروع . ومن ناحية أخرى، فإن معظم المشترين والبائعين، وحتى السماسرة، لن يطرحوا هذا الموضوع إلا لحين المراحل النهائية من عملية التفاوض .

وفي الوقت الذي يخضع المستثمرون والملاك للضغط الذي ولده التباطؤ الاقتصادي، ازداد اهتمامهم بتأثير رسوم الخدمات السنوية على ممتلكاتهم وثرواتهم الشخصية .

وتشهد أسعار إدارة المرافق وصيانة المباني تباينا بين الجهات العاملة في القطاع العقاري سواء أكان مطورا ثانويا أو رئيسيا أو شركات متخصصة بهذا العمل من جهة، واختلاف المناطق من جهة أخرى، الأمر الذي يضاعف من حجم المسؤولية التي تقع على كاهل دائرة الأراضي والأملاك بدبي ومؤسسة التنظيم العقاري “ريرا” ، للإسراع في وضع النقاط على الحروف في هذا الشأن ومعالجة النقص الذي يضعف آلية تطبيق قانون “جمعيات الملاك” ورفده بلوائح تنظيمية وتنفيذية بالإضافة إلى لائحة سعرية موحدة وعادلة مدعمة بالمحددات التي تبنى عليها الواجبات والحقوق التي لا تستثني أي جهة .

ووفقا لدراسة حديثة أجراها فريق البحوث الخاص لدى شركة “هاربور” للوساطة العقارية، تبين أن معدل رسوم الخدمات السنوية بلغ حوالي 16 درهما للقدم المربع الواحد، وفي حين أن هذا الرقم لا يبدو باهظا، يجب النظر الى القيمة الكلية التي تستحق سنويا . فعلى سبيل المثال، فإن مالك شقة مؤلفة من غرفتي نوم مساحتها تقدر بحوالي 1800 قدماً مربعاً سوف يستحق عليه 28،800 درهم سنويا، مع الوضع في الاعتبار أنه لن تطبق أي زيادة نسبية سنوية على رسوم الخدمات .

لكن المعدلات لا تعكس الواقع فمن العقارات التي شملتها الدراسة، وصلت أعلى رسوم خدمات للقدم المربع الواحد إلى 22 درهماً في المشاريع الراقية في جميع أنحاء دبي بما في ذلك وسط مدينة برج دبي . إذاً، سيصل مبلغ رسوم الخدمات إلى 39،600 درهم سنويا لمالك الشقة التي تصل مساحتها إلى 1800 قدم مربع . في حين أن أدنى رسوم تم رصدها في منطقة “ذاغرينز” الروضة والتي بلغ متوسطها 11 درهماً للقدم المربع الواحد . ومن الجدير بالذكر أنه أعلن في الربع الثاني من عام 2009 عن تثبيت رسوم الخدمات في “جميرا بيتش ريزيدنس” على 32 .15 درهماً، والتي هي أقل من السعر الذي اقترحه المطور 75 .21 درهماً سابقا – ولكن حتى مع تثبيث السعر الجديد لم يسر العديد من سكان المنطقة، وخاصة عند مقارنته بالسعر الأساسي الذي كان 5 .9 درهم .

من جهة أخرى، أفاد المسح أن متوسط رسوم الخدمات للفلل داخل المجمعات هو 5 .2 درهم للقدم المربع الواحد والذي يحسب على المساحة الكلية للأرض . فلمشروع نخلة جميرا أعلى رسوم خدمات والتي تقارب 4-5 دراهم وهي متفرقة حسب مستوى الخدمات . أما أدنى سعر كشف عنه المسح فهو 16 .1 درهم للقدم المربع الواحد لبعض الفلل في مجمع السهول “ذا ميدوز” وهي موزعة على الصندوق العام 03 .1 درهم، ورأس المال للصندوق الاحتياطي 05 .0 درهم، وضريبة المجمع الرئيسية 08 .0 درهم . ويبدو هذا المبلغ مرتفعا جدا لبعض الفيلات المجاورة مثل مجمع البحيرات “ذا ليكس” الذي يطالب بأكثر من ضعف هذا المبلغ (6 .2 درهم موزعة على الصندوق العام 30 .2 درهم، ورأس المال للصندوق الاحتياطي 14 .0 درهم، وضريبة المجمع الرئيسية 16 .0 درهم) .

ولكن القضايا المحيطة برسوم الخدمات لا تتوقف فقط على الرسوم ذاتها؛ فانعدام الشفافية في الكشف عن تفاصيل النفقات، ومستوى ونوعية الخدمات المقدمة، والارتباك الناتج عن الغموض حول ما تغطيه الرسوم أدى إلى سخط الكثيرين . فبالإضافة إلى تغطية متطلبات الصيانة اليومية للعقار، ما هي الإجراءات المعتمدة عند إجراء تحسينات مستقبلية عقارية أو رأسمالية؟

وتجدر الإشارة هنا إلى أن العديد من المشاريع بيعت على الخرائط من قبل الشركات المطورة دون أن تشمل رسوم الخدمات عند البيع مما خلف مئات المستثمرين بحالة جهل لقدر الرسوم، وجعل عملية تحديد العائدات على الاستثمارات المحتملة مهمة صعبة عليهم وأضاف أيضا عنصر شك جديداً في بيئة يسيطر عليها عدم الاستقرار . فعند النظر في شراء العقارات، يفضل المستثمر شراء الوحدات السكنية الجاهزة واضحة الرسوم على شراء العقارات من على الخارطة .

وتغلب حالة من الفوضى على إدارة وصيانة عشرات آلاف الوحدات العقارية في السوق المحلي بالإمارة، حيث تجري إدارتها بطريقة تعاقدية تقليدية وليست قانونية، حيث تعود إلى اجتهادات خاصة بكل جهة على حدة، كما أن بعض المطورين توجهوا إلى التركيز على هذا المجال لتعويض تراجع هامش الأرباح بعد غياب عمليات البيع على الخارطة وتمركزها على عملات بسيطة في سوق الجاهز منها .

ومن جانب آخر، تشمل المجمعات السكنية المطورة من قبل مطورين رئيسيين تكاليف عديدة يصعب أحيانا تحديد من هو المسؤول عنها، مثل الرسوم المتعلقة بالمرافق المحيطة، كتبريد المناطق . فهل يتوقع من ملاك الوحدات السكنية دفع الرسوم المتعلقة بمحلات التجزئة المتضمنة في المشروع . يجب أن توضح عقود الشراء أو صكوك الملكية رسوم الخدمة السنوية عند عملية الشراء المبدئية . ومن المهم معالجة هذه المسألة بطريقة سريعة وبناءة لتجنب أي انتكاسات في عملية الانتعاش في سوق دبي العقاري .

إن تكاليف إدارة المرافق وصيانتها باتت تشكل عبئاً ثقيلاً على ملاك الشقق في دبي . ولكن يجب نعلم أن الصيانة المناسبة والإدارة ذات الجودة العالية للمرافق ستشكل عاملاً حاسماً للحفاظ على قيمة الممتلكات وتجنب الاستهلاك المفرط للأصول على مر الزمن . فالعديد من هذه العقارات قد تم شراؤها عندما كان هناك القليل من الوضوح حول النفقات التشغيلية لهذه الوحدات . بالإضافة إلى ذلك، تتغير هذه النفقات مع مرور الوقت وستستمر بالتغير تبعاً لوعي المستخدم النهائي واتباعه للوائح والتعليمات .

وسيؤدي إيجاد جمعيات للملاك إلى وضوح وتحكم أكبر بالنفقات الفعلية لإدارة المرافق . وتوجد هنالك مخاطرة تكمن في عدم وعي الملاك حول أهمية الصيانة الجيدة للوحدات، وبالتالي الانسياق وراء الخيارات الأرخص ثمناً والأقل جودةً . مما سيعزز أرباحهم على المدى القصير من خلال تقليل النفقات التشغيلية خلال السنوات الاثنتين أو الثلاث الأولى، ولكن ذلك سيزيد معدل استهلاك الأصول أيضاً . وبكلمة أخرى فإن ذلك سيقلل من النفقات التشغيلية بشكل مؤثر، ولكنه في نفس الوقت سيقلل من قيمة إعادة البيع .

وتعتبر إدارة المرافق المناسبة خدمة ذات قيمة، وتساعد في المحافظة على قيمة الأصول . لذلك لا يمكن وصفها بالضريبة . ومع ذلك، وفي بعض الحالات، فإن رسوم الصيانة تؤثر بشكل ملحوظ على معدلات رأسمال الاستثمار .

وعلى الرغم من تراجع رسوم خدمات الصيانة وإدارة المرافق في الفترة الأخيرة مع تراجع تكلفة المواد التي تدخل في هذا العمل بنسبة تتراوح بين 20 و 25%، إلا أنها لا تزال برأي الملاك مرتفعة وتقتطع جزءا ليس بالقليل من معدل الربح .

وأعلنت بعض شركات التطوير العقاري الكبرى في السوق المحلي في وقت سابق عن خفض تكاليف خدمات الصيانة بمعدل 5 دراهم للقدم المربع، على صعيد بعض مشاريعها التطويرية، وبمعدلات أكبر في مشاريع أخرى، حيث أعلنت كل من “إعمار” و”نخيل” و”دبي للعقارات” أيضا عن إعادة النظر برسوم خدمات الصيانة والإدارة وتقليصها إلى مستويات أفضل .

وتتأثر تكاليف الإدارة وصيانة المرافق طردا مع حركة العرض والطلب في السوق العقاري إضافة إلى عمر المبنى، وطريقة الإنشاء، والتصميم والتنفيذ، مع الأخذ في الاعتبار أن تكاليف الصيانة تكون أعلى في المشاريع القديمة مقارنة بالجديدة . .

وعلى صعيد تأثر هذا القطاع بتداعيات الأزمة المالية العالمية أشار مراقبون إلى أنه حتى الآن لم يتأثر من حيث حركة النشاط والطلب على الصيانة، وذلك لأهمية وجوده في كل الظروف مع وجود الكم الهائل من البنايات والمشاريع العملاقة التي تتطلب الإشراف والصيانة بشكل دوري .

وللقضاء على أي شك أو عدم يقين يحيط بموضوع صيانة الممتلكات يجب تطبيق قانون الملكية العقارية المشتركة أو قانون “ستراتا” في السوق العقارية في أقرب وقت ممكن . وعند تنفيذه، يضع قانون الملكية العقارية المشتركة مسؤولية صيانة البناء على الملاك عن طريق إنشاء “جمعية الملاك” والتي من خلالها لا يعد المطور مسؤولا عن تقديم هذه الخدمات إلا إذا قررت جمعية الملاك توظيف المطور للقيام بها .

وتتحمل الجمعية مسؤولية تنفيذ متطلبات الصيانة وتحسين البناء، إلى جانب ترؤسي الإدارة السنوية للميزانيات والصندوق المالي اللازمة لعمليات التحسين المستقبلية . وسيمتلك الملاك حصة في الأماكن المشتركة كالمصاعد، والمسابح، والحدائق بالإضافة إلى الحق في التصويت على الميزانيات التي تحدد رسوم الخدمة السنوية، ووضع قوانين المجمعات السكنية ومنح عقد الصيانة لأحد شركات إدارة المرافق . وسيتم الحرص على تطبيق هذه القوانين من خلال توجيه غرامات مالية للملاك أو حتى طردهم من العقار في حال الاستمرار في خرق القوانين أو عدم دفع رسوم الخدمات . ويتطلب القانون من مطوري المباني والمجمعات العقارية المشتركة الكشف عن رسوم الخدمات السنوية المقدرة في العامين الأولين من عملها في اتفاقية البيع والشراء .

وقد انشئ قانون الملكية العقارية المشتركة في عام 1965 ويطبق حاليا في كل من كندا ونيوزيلندا والولايات المتحدة واستراليا . وقامت “مؤسسة التنظيم العقاري” “ريرا” بإعادة هيكلة قانون “ستراتا” لإمارة دبي ليصبح مطابقا للقانون المطبق في كوينزلاند في استراليا .

“التنظيم العقاري” مسؤولة عن تحديد أسعار ادارة المرافق

اشارت مجموعة دبي للعقارات الى ان مؤسسة التنظيم العقاري “ريرا” هي الجهة الاولى المسؤولية عن تقييم وتحديد اسعار إدارة المرافق والخدمات في المجمعات العقارية وليس شركة التطوير، حيث لدى المؤسسات المعايير التي يتم بناء عليها تحديد الرسوم التي تختلف من مشروع الى آخر حسب مواصفاته وجودته وتكلفته الانشائية اضافة الى موقعه .

قرب اصدار لوائح قانون “ستراتا”

علمت “الخليج” ان دائرة الأراضي والأملاك في دبي باتت قريبة من اصدار اللوائح التنظيمية والتنفيذية المتعلقة بقانون جمعيات الملاك (Strata)، ومن المتوقع ان يضع هذا القانون حداً للجدل الذي يدور في السوق العقاري المحلي في الإمارة حول هذا الشأن وما يتعلق به من إدارة المرافق والمجمعات

Leave a Reply